تحليل قصيدة "دع الايام"

دع الايام
دع الأيام تفعــــــــل ما تشــاء ..... وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجــــــــزع لحادثة الليالي ..... فما لحـــوادث الدنيا بقـــــاء
وكن رجلا على الأهوال جلدا ..... وشيمتك السماحة والوفـــاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا ..... وسرك أن يكون لها غطــــــــاء
تستر بالسخاء فكـل عيــــــب ..... يغطيه كمـا قــيــل السخـــاء
ولا تــــــر للأعادي قــط ذلا ..... فإن شماتة الأعدا بـــــــــلاء
ولا ترج السماحة مــن بخيل ..... فما في النــــــار للظمآن ماء
ورزقك ليـــس ينقصه التأني ..... وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يــدوم ولا ســرور ..... ولا بؤس عليـــــــك ولا رخــــاء
إذا ما كنــــت ذا قـلب قنـوع ..... فأنت ومالك الدنيا ســــــــواء
ومــــن نزلت بساحته المنايا ..... فلا أرض تقيه ولا سمــــــاء
وأرض الله واسعة ولــــكــن ..... إذا نزل القضا ضاق الفضاء
دع الأيام تغـــــدر كل حيــن ..... فما يغني عن المــوت الدواء
ـــــــــــــــــــــــ
دع الأيام – الإمام الشافعي
ـــــ

الشرح والتحليل:-

كان الشافعي - أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة - أشعر الناس و أأدبهم وأعرفهم بالفقه والقرآت، وقال الإمام ابن حنبل: ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منّة ، وقد تميز شعره بالحكمة المطعمة بنكهة إسلامية ، وظهرت هذه الحكمة والحذاقة بالغة في هذه القصيدة.

يقدم الإمام الشافي في هذه الأبيات النصح والإرشاد ، بأسلوب حكيم وسلس ، موظفا مختلف الألوان البديعية ؛ فتراه بداية يجسد الأيام ويجعلها شخصا لا يمكن ردعه عما يفعل ، ولا يمكن توجيهه حتى إلى ما نرنو، ولذلك لا بد من التسليم والإيمان بالقضاء والقدر ، وفي ذلك إشارة إلى ركن من أركان الإيمان.

ويتابع فيما بعد لينهى عن الجزع من حوادث الدنيا ، لأن هذه الحوادث مقدرة من الله ، وليس هناك شيء يبقى على حاله ، ويشير بعد ذلك إلى لزوم الصبر على أهوال الدهر والمصائب ، وضرورة ملازمة السماحة والوفاء ، ** والملاحظ هنا انه استخدم لفظة " رجل " للدلالة على الصبر والوفاء حيث تبلغ هذه الصفات ذروتها عند الرجال.

وفي البيتين التاليين يربط لنا بين إخفاء العيوب والسخاء بأسلوب شرطي حيث انه من كثرت عيوبه – وكلٌّ غارقٌ في عيوبه – عليه بالسخاء الذي سيغطي هذه العيوب.

ويعود إلى أسلوب النهي والنصح مرة أخرى ، ليقول أن على المرء أن يكون جلدا صابرا لا تظهر عليه علامات الذلّ ، ليتقي بذلك شماتة أعدائه التي هي بلاء عظيم أصعب من الذل الذي حل به.
وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلّاً فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ
** نلاحظ في هذا البيت حذف الهمزة من آخر كلمة (الأعداء) وذلك ليستقيم الوزن العروضي، وهذه اللفظة جائزة في اللغة .
ويكنّي بعد ذلك إلى استحالة الحصول على شيء من البخيل في قوله: (فما في النار للظمآن ماء) وفي ذلك إشارة واضحة إلى النهي عن البخل ، هذه الصفة التي ذمّتها كل الثقافات والديانات.
وفي قالب ديني نابع من الإيمان ، يبين لنا بأن الرزق بيد الله ، وانه مقسوم للعبد لا محالة ، فلن يزيد الرزق بزيادة العناء ولن يقل بالتأني والتروي.

يا من تظن نفسك سعيدا ، وأنت يا من تظن أن البؤس أنيسك ، يقول لك الإمام الشافعي : إن البؤس لا يدوم ، وكذلك الرخاء ولكن إذا كنت قنوع القلب فأنت ومالك الدنيا سواء.

ويختم الشافعي هذه القصيدة بالتحدث عن الموت ، فإذا دنا اجل المرء لا أرض تقيه منه ولا سماء ( طباق إيجاب) ، وانه مهما اتسع الأرض فالموت حاصل بوقته ومكانه المقدران ، وان الدواء لا يغني عن الموت شيئا
ويكرر الشافعي لفظة ( دع الأيام ) مرة أخرى ...